فصل: السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الكامل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك الكامل

محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة‏.‏

فيها خرجت عساكر الروم نحو آمد وحاصروها وأقاموا عليها أيامًا ثم نازلوا السويداء فأخذوها‏.‏

وفيها كان الوباء العظيم بمصر حيث إنه مات في شهر نيفٍ وثلاثون ألف إنسان‏.‏

وفيها توفي عبد السلام بن المظفر بن عبد الله بن محمد بن أبي عصرون‏.‏

كان فقيهًا فاضلًا زاهدًا إلا أنه كان مغرى بالنكاح كان عنده نيف وعشرون جارية للفراش‏.‏

ومات بدمشق بقاسيون وهو والد قطب الدين وتاج الدين‏.‏

وفيها توفي صواب العادلي مقدم عسكر الملك الكامل الذي كانت الروم أسرته في عام أول وكان خادمًا عاقلًا شجاعًا وكان العادل والكامل يعتمدان عليه وكان حاكمًا على الشرق كله من قبل الكامل‏.‏

وفيها توفي الشيخ شرف الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي المعروف بابن الفارض الحموي الأصل المصري ‏"‏ المولد و ‏"‏ الدار والوفاة الصالح الشاعر المشهور أحد البلغاء الفصحاء الأدباء‏.‏

مولده في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة وتوفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى ودفن من الغد بسفح المقطم وقبره معروف به يقصد للزيارة‏.‏

والفارض بفتح الفاء وبعدها ألف وراء مكسورة وضاد معجمة وهو الذي يكتب الفروض على النساء والرجال‏.‏

وهو صاحب النظم الرائق والشعر الفائق الغرامي‏.‏

وديوان شعره مشهور كثير الوجود بأيدي الناس وشعره أشهر من أن يذكر‏.‏

فمن مقطعات شعره قوله‏:‏ وحياة أشواقي إلي - - ك وحرمة الصبر الجميل ومن قصائده - رحمه الله وعفا عنه‏:‏ سائق الأظعان يطوي البيد طي منعمًا عرج على كثبان طي وبذات الشيح عني إن مرر - - ت بحي من عريب الجزع حي وتلطف واجر ذكرى عندهم علهم أن ينظروا عطفًا إلي قل تركت الصب فيكم شبحًا ما له مما براه الشوق في خافيًا عن عائد لاح كما لاح في برديه بعد النشر طي صار وصف الضر ذاتيًا له عن عناء والكلام الحي لي كهلال الشك لولا أنه أن عيني عينه لم تتأي مثل مسلوب حياةٍ مثلًا صار في حبكم ملسوب حي مسبلًا للنأي طرفًا جاد إن ضن نوء الطرف إذ يسقط خي بين أهليه غريبًا نازحًا وعلى الأوطان لم يعطفه لي جامحًا إن سيم صبرًا عنكم وعليكم جانحًا لم يتأي حائرًا فيما إليه أمره حائر والمرء في المحنة عي فكأين من أسى أعيا الإسى نال لو يغنيه قولي وكأي رائيًا إنكار ضر مسه حذر التعنيف في تعريف ري والذي أرويه عن ظاهر ما باطني يزويه عن علمي زي يا أهيل الود أنى تنكرو - - ني كهلًا بعد عرفاني فتي وهوى الغادة عمري عادة يجلب الشيب إلى الشاب الأحي نصبًا أكسبني الشوق كما تكسب الأفعال نصبًا لام كي ومتى أشكو جراحًا بالحشى زيد بالشكوى إليها الجرح كي عين حسادي عليها لي كوت لا تعداها أليم الكي كي عجبًا في الحرب أدعى باسلًا ولها مستبسلًا في الحب كي هل سمعتم أو رأيتم أسدًا صاده لحظ مهاةٍ أو ظبي سهم شهم القوم أشوى وشوى سهم ألحاظكم أحشاي شي أوعدوني أوعدوني وامطلوا حكم دين الحب دين الحب لي رجع اللاحي عليكم آيسًا من رشادي وكذاك العشق غي أبعينيه عمى عنكم كما صمم عن عذله في أذني أو لم ينه النهى عن عذله زاويا وجه قبول النصح زي ظل يهدي لي هدى في زعمه ضل كم يهذي ولا أصغى لغي ولما يعذل عن لمياء طو - - ع هوىً في العذل أعصى من عصي لومه صبًا لدى الحجر صبا بكم دل على حجر صبي عاذلي عن صبوة عذريةٍ هي بي لا فتئت هي بن بي ذابت الروح اشتياقًا فهي بع - - د نفاد الحمع أجرى عبرتي فهبوا عيني ما أجدى البكا عين ماءٍ فهي إحدى منيتي أو حشا سال ولا أختارها إن تروا ذاك بها منا علي بل أسيئوا في الهوى أو أحسنوا كل شيء حسن منكم لدي من أولاد الأتراك‏.‏

وكان أديبًا فاضلًا ظريفًا فصيحًا وله ديوان شعر مشهور يغلب على شعره الرقة والانسجام‏.‏

قال ابن خلكان - رحمه الله -‏:‏ وكان صاحبي وأنشدني كثيرًا من شعره فمن ذلك وهو معنى جيد في نهاية الجودة‏:‏ ما زال يحلف لي بكل أليةٍ ألا يزال مدى الزمان مصاحبي لما جفا نزل العذار بخده فتعجبوا لسواد وجه الكاذب قال وأنشدني لنفسه أيضًا‏:‏ لك خال من فوق عر - - ش شقيق قد استوى بعث الصدغ مرسلًا يأمر الناس بالهوى انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومن شعره أيضًا‏:‏ لك أن تشوقني إلى الأوطان وعلي أن أبكي بدمعي القاني إن الألى رحلوا غداة محجر ملؤوا القلوب لواعج الأحزان فلأبعثن مع النسيم إليهم شكوى تميل لها غصون البان وكانت وفاته في يوم الخميس ثاني شوال وتقدير عمره خمسون سنة‏.‏

والحاجري بفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مكسورة وبعدها راء وهذه النسبة إلى حاجر وكانت بليدة بالحجاز‏.‏

وسبب تسميته بذلك لأنه كان يكثر من ذكر الحاجر في شعره فسمي بذلك‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحسن بن صباح بن حسام المخزومي الكاتب في رجب وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

وتقي الدين علي بن أبي الفتح بن ماسويه الواسطي في شعبان وله ست وسبعون سنة‏.‏

والأديب شرف الدين عمر بن علي بن المرشد الحموي بن الفارض بمصر في جمادى الأولى‏.‏

والزاهد العارف أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله التيمي السهروردي في أول السنة وله ثلاث وتسعون سنة‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن عماد بن محمد الحراني التاجر في صفر بالإسكندرية وله تسعون سنة‏.‏

والقدوة الزاهد غانم بن علي المقدسي‏.‏

والقاضي العلامة بهاء الدين يوسف بن رافع بن لميم الشافعي ابن شداد بحلب في صفر‏.‏

وسيف الدولة محمد بن غسان الحمصي في شعبان‏.‏

وأبو الوفا محمود ابن إبراهيم بن سفيان بن منحه التاجر بأصفهان شهيدًا في خلق لا يحصون بسيف التتار في شوال‏.‏

وأبو سعد محمد بن عبد الواحد المديني‏.‏

وحسام الدين عيسى بن سنجر بن بهرام الإربلي المعروف بالحاجري الشاعر المشهور قتله شخص في شوال وله خمسون سنة‏.‏

الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة‏.‏

فيها استعاد الكامل من الروم حران والرها وغيرهما وأخرب قلعة الرها ونزل على دنيسر فأخربها ومعه أخوه الأشرف وبينما هم في ذلك جاء كتاب بدر الدين لؤلؤ إلى الأشرف يقول‏:‏ قد قطع التتار دجلة في مائة طلب كل طلب خمسمائة فارس ووصلوا إلى سنجار فخرج إليهم معين الدين بن كمال الدين بن مهاجر فقتلوه على باب سنجار ثم رجع التتار ثم عادت‏.‏

فأمنهم الأشرف للتوجه إلى جهة الشرق‏.‏

وفي هذه السنة كان الطاعون العظيم بمصر وقراها مات فيه خلق كثير من أهلها وغيرها حتى تجاوز الحد‏.‏

وفيها جاءت الخوارزمية إلى صاحب ماردين فنزل إليهم وقاتلهم ثم نزلوا نصيبين وأحرقوها وفعلوا فيها أعظم ما فعل الكامل بدنيسر‏.‏

وفيها توفي الحسن بن محمد القاضي القيلوي وقيلوية‏:‏ قرية من قرى بغداد‏.‏

كان فاضلًا كاتبًا ولد بالعراق سنة أربع وستين وخمسمائة وكان كثير الأدب مليح الخط عارفًا بالتواريخ حسن العبارة متواضعًا وكانت وفاته في ذي القعدة ودفن بمقابر الصوفية عند المنيبع‏.‏

وفيها توفي أبو المحاسن محمد بن نصر الدين بن نصر بن الحسين بن عنين الزرعي أصله من حوران‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ كان خبيث اللسان هجاء فاسقًا متهتكًا عمل قصيدة سماها‏:‏ ‏"‏ مقراض الأعراض ‏"‏ خمسمائة بيت لم يفلت أحد من أهل دمشق منها بأقبح هجو‏.‏

ونفاه السلطان صلاح الدين إلى الهند فمضى ومدح ملوكها واكتسب مالًا وعاد إلى دمشق‏.‏

ومن هجوه في السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمه الله تعالى - قوله‏:‏ سلطاننا أعرج وكاتبه ذو عمش والوزير منحدب وصاحب الأمر خلقه شرس وعارض الجيش داؤه عجب والدولعي الخطيب معتكف وهو على قشر بيضة يثب ولابن باقا وعظ يغر به الن - - اس وعبد اللطيف محتسب ولما نفي كتب من الهند إلى دمشق‏:‏ انفوا المؤذن من بلادكم إن كان ينفى كل من صدقا ولما عاد إلى دمشق هجا الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب بقوله‏:‏ إن سلطاننا الذي نرتجيه واسع المال ضيق الإنفاق هو سيف كما يقال ولكن قاطع للرسوم والأرزاق قال‏:‏ واستكتبه الملك المعظم وكان من أكبر سيئات المعظم‏.‏

ومات عن إحدى وثمانين سنة‏.‏

انتهى كلام أبي المظفر باختصار‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ ‏"‏ كان خاتمة الشعراء لم يأت بعده مثله ولا كان في أواخر عصره من يقاس به ولم يكن شعره مع جودته مقصورًا على أسلوب واحد‏.‏

ثم نعته بأشياء إلى أن قال‏:‏ ولما ملك الملك العادل دمشق كتب إليه قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة وقد أحسن فيها كل الإحسان واستعطفه كل الاستعطاف وأولها‏:‏ ماذا على طيف لو سرى وعليهم لو سامحوني في الكرى ثم وصف دمشق وقال‏:‏ فارقتها لا عن رضا وهجرتها لا عن قلى ورحلت لا متخيرا أسعى لرزق في البلاد مشتت ومن العجائب أن يكون مقترا ومنها يشكو الغربة‏:‏ أشكو إليك نوى تمادى عمرها حتى حسبت اليوم منها أشهرا لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى يعفو ولا جفني يصافحه الكرى أضحي عن الأحوى المريع محلًا وأبيت عن ورد النمير منفرا ومن العجائب أن يقيل بظلكم كل الورى وأبيت وحدي بالعرا فلما وقف عليها العادل أذن له في الدخول إلى دمشق ففما دخلها قال‏:‏ هجوت الأكابر في جلقٍ ورعت الوضيع بسب الرفيع وأخرجت منها ولكنني رجعت على رغم أنف الجميع وفيها توفي أبو الخطاب بن دحية المغربي‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ كان في المحدثين مثل ابن عنين في الشعراء يثلب علماء المسلمين ويقع فيهم ويتزيد في كلامه فترك الناس الرواية عنه وكذبوه‏.‏

وكان الكامل مقبلًا عليه فلما انكشف له حاله أعرض عنه وأخذ منه دار الحديث وأهانه فمات في شهر ربيع الأول بالقاهرة ودفن بقرافة مصر‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي‏.‏

وعفيف الدين علي بن عبد الصمد بن الرماح المصري المقرئ النحوي‏.‏

وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة القلانسي الصوفي في شهر ربيع الآخر وقد جاوز التسعين‏.‏

والعلامة أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي البلنسي المعروف بابن دحية في شهر ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة‏.‏

والفخر محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلي الصوفي بإربل في شوال أو شهر رمضان‏.‏

وقاضي القضاة عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي في شوال‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

السنة التاسعة عشرة من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر ابن أيوب على مصر وهي سنة أربع وثلاثين وستمائة‏.‏

فيها نزلت التتار على إربل وحاصرتها مدة حتى أخذوها عنوة وقتلوا كل من فيها وسبوا وفضحوا البنات وصارت الآبار والدور قبورا للناس‏.‏

وكان أيدكين مملوك الخليفة بالقلعة فقاتلهم فنقبوا القلعة وجعلوا لها سردابًا وطرقًا وقلت عندهم المياه حتى مات بعضهم عطشًا فلم يبق سوى أخذها فرحلوا عنها في ذي الحجة وقد عجزوا عن حمل ما أخذوا من الأموال والغنائم‏.‏

وفيها استخدم الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل - صاحب الترجمة - الخوارزمية أصحاب جلال الدين فانضموا عليه وانفصلوا من الروم وسر والده الملك الكامل بذلك‏.‏

وفيها بدت الوحشة بين الأخوين وسببها أن الأشرف طلب من الكامل الرقة وقال‏:‏ الشرق كله صار له وأنا أركب كل يوم في خدمته فتكون الرقة برسم عليق دوابي فأبى الكامل وأغلظ في الجواب فوقعت الوحشة بينهم بسبب ذلك‏.‏

وفيها توفي الناصح عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الحنبلي ولد بدمشق ونشأ بها وتفقه ووعظ وصنف ودرس بمدرسة ربيعة خاتون‏.‏

ومات في غرة المحرم‏.‏

وفيها توفي السلطان الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب‏.‏

كان صاحب حلب وليها بعد وفاة أبيه الظاهر‏.‏

ومولده في ذي الحجة سنة تسع أو عشر وستمائة‏.‏

وتوفي والده وهو طفل فنشأ تحت حجر شهاب الدين الخادم فرتب شهاب الدين أموره أحسن ترتيب إلى سنة تسع وعشرين وستمائة‏.‏

استقل الملك العزيز هذا بالأمر إلى أن توفي بحلب في شهر ربيع الأول‏.‏

وكان حسن الصورة كريمًا عفيفًا ولم يبلغ أربعًا وعشرين سنة‏.‏

ودفن بقلعة حلب وإليه تنسب المماليك العزيزية الآتي ذكرهم في عدة أماكن‏.‏

وفيها توفي كيقباذ السلطان علاء الدين صاحب الروم‏.‏

كان عاقلًا شجاعًا مقدامًا جوادًا وهو الذي كسر الخوارزمي وكسر الكامل واستولى على بلاد الشرق‏.‏

وكان الملك العادل زوجه ابنته فأولدها أولادًا وكان عادلًا منصفًا مهيبًا ما وقف له مظلوم إلا وكشف ظلامته وكانت وفاته في شوال‏.‏

قلت‏:‏ وبنو قرمان ملوك الروم في زماننا هذا يزعمون أنهم من نسل السلطان علاء الدين هذا - والله أعلم -‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الملك المحسن أحمد ابن السلطان صلاح الدين في المحرم وله سبع وخمسون سنة‏.‏

والخطيب أبو طاهر الخليل أحمد الجوسقي في شهر ربيع الأول‏.‏

وأبو منصور سعيد بن محمد بن يس السفار وقد حج تسعًا وأربعين حجة في صفر‏.‏

والحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي البلنسي في ذي الحجة وله سبعون سنة‏.‏

والإمام ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الحنبلي في المحرم وقد نيف على الثمانين‏.‏

ومفتي حران ناصر الدين عبد القادر بن عبد القاهر بن أبي الفهم الحنبلي في شهر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة‏.‏

وعلي بن محمد بن جعفر بن كب المؤدب‏.‏

وكمال الدين علي بن أبي الفتح بن الكباري الطبيب بحلب في المحرم‏.‏

وسلطان الروم علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي في شوال‏.‏

والحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي في شهر ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة‏.‏

والملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف صاحب حلب بها في شهر ربيع الأول‏.‏

ومحتسب دمشق الفخر محمود بن عبد اللطيف‏.‏

وأبو الحسن مرتضى ابن أبي الجود حاتم بن المسلم الحارثي المصري في شوال‏.‏

وأبو بكر هبة الله بن عمر بن الحسن القطان وكان آخر من روى عن أمه كمال بنت عبد الله بن السمرقندي وعن هبة الله الشبلي عاش نيفًا وثمانين سنة‏.‏

وياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار يوم عاشوراء‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة العشرون من سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة خمس وثلاثين وستمائة‏.‏

وهي السنة التي مات الكامل المذكور في رجبها وحكم ابنه العادل في باقيها حسب ما تقدم في وفاة الكامل في ترجمته‏.‏

وفيها أيضًا توفي الملك الأشرف موسى ثم بعده أخوه الملك الكامل‏.‏

وملك دمشق بعد موت الأشرف الملك الجواد بن الأشرف‏.‏

على ما سيأتي ذكره في وفاة الأشرف في هذه السنة‏.‏

وفيها اختلفت الخوارزمية على الملك الصالح أيوب بن الكامل وأرادوا القبض عليه فهرب إلى سنجار وترك خزائنه وأثقاله فنهبوا الجميع‏.‏

ولما قدم الصالح سنجار سار إليه بدر الدين لؤلؤ في ذي القعدة وحصره بها فأرسل إليه الصالح يسأله الصلح فقال‏:‏ لا بد من حمله في قفص إلى بغداد وكان لؤلؤ ‏"‏ و ‏"‏ المشارقة يكرهونه وينسبونه إلى التكبر والظلم فاحتاج الصالح أن يبعث إلى الخوارزمية وهم على حران يستنجدهم فساقوا جريدة من حران وكبسوا لؤلؤًا فنجا وحده ونهبوا أمواله وخزائنه وجميع ما كان في عسكره‏.‏

وفيها توفي الملك الأشرف أبو الفتح مظفر الدين موسى شاه أرمن ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأمير نجم الدين أيوب أخو الملك الكامل محمد صاحب الترجمة‏.‏

وأول شيء ملكه الأشرف هذا من القلاع والبلاد الرها في أيام أبيه وآخر شيء دمشق‏.‏

ومات بها بعد أن ملك قلاع ديار بكر سنين‏.‏

وقد تقدم من ذكره نبذة كبيرة في حوادث دولة أخيه الكامل وفي غزوة دمياط وغير ذلك‏.‏

ومولده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بقصر الزمرد بالقاهرة قبل أخيه المعظم عيسى بليلة واحدة وكان مولدهما بموضع واحد - وقيل‏:‏ كان بقلعة الكرك - والأول أشهر‏.‏

وكان الملك الأشرف ملكًا كريمًا حليمًا واسع الصدر كريم الأخلاق كثير العطايا لا يوجد في خزائنه شيء من المال مع اتساع مملكته ولا تزال عليه الديون ونظر يومًا في دواة كاتبه وشاعره كمال الدين علي بن النبيه المصري فرأى بها قلمًا واحدًا فأنكر عليه فأنشد الكمال بديهًا ‏"‏ دوبيت ‏"‏‏:‏ قال الملك الأشرف قولًا رشدًا أقلامك يا كمال قلت عددا جاوبت لعظم كتب ما تطلقه تحفى فتقط فهي تفنى أبدا ولكمال الدين ابن النبيه المذكور فيه غرر المدائح معروفة بمخالص قصائده في ديوانه وتسمى الأشرفيات‏.‏

وكانت وفاة الأشرف في يوم الخميس رابع المحرم بدمشق ودفن بقلعتها ثم نقل بعد محق إلى التربة التي أنشئت له بالكلاسة في الجانب الشمالي من جامع دمشق‏.‏

وفيها توفي يحيى بن هبة الله بن الحسن القاضي شمس الدين أبو البركات بن سناء الدولة كان إمامًا فقيهًا فاضلًا حافظًا للقوانين الشرعية ولي القضاء بالبيت المقدس ثم بدمشق وكان الملك الأشرف موسى يحبه ويثني عليه‏.‏

ومات في ذي القعدة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الأنجب بن أبي السعادات الحمامي في شهر ربيع الآخر وله نيف وثمانون سنة‏.‏

وأبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن رئيس الرؤساء في رجب‏.‏

وقاضي حلب زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن غلوان الأسدي ابن الأستاذ‏.‏

وأبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن اللتي القزاز في جمادى الأولى وله تسعون سنة‏.‏

وأبو طالب علي بن عبد الله بن مظفر ابن الوزير علي بن طراد الزينبي في رمضان‏.‏

والرضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار المقدسي المقرىء‏.‏

وشيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرزاق بن عبد الوهاب بن سكينة في جمادى الأولى‏.‏

والسلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل في رجب بدمشق وله ستون سنة‏.‏

وأبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز الطبيب في شهر رمضان وقد نيف على التسعين وهو آخر من حدث ببغداد عن أبي الوقت‏.‏

وشرف الدين محمد بن نصر المقدسي ابن أخي الشيخ أبي البيان في رجب‏.‏

والقاضي شمس الدين أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد ابن الشيرازي في جمادى الآخرة وله ست وثمانون سنة‏.‏

وخطيب دمشق جمال الدين محمد بن أبي الفضل الدولعي في جمادى الأولى ودفن بمدرسته بجيرون وله ثمانون سنة‏.‏

ونجم الدين مكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي السفار في رجب وله سبع وثمانون سنة‏.‏

والسلطان الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل في المحرم وله تسع وخمسون سنة‏.‏

وقاضي القضاة شمس الدين يحيى بن هبة الله بن سناء الدولة في ذي القعدة وله ثلاث وثمانون سنة وهو من تلامذة القطب النيسابوري‏.‏

والشهاب يوسف بن إسماعيل الحلبي بن الشواء الشاعر المشهور‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع ونصف إصبع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

سلطنة الملك العادل الصغير على مصر هو السلطان الملك العادل أبو بكر ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأمير نجم الدين أيوب الأيوبي المصري‏.‏

وسبب تسلطنه وتقدمه على أخيه الأكبر نجم الدين أيوب أنه لما مات أبوه الملك الكامل محمد بقلعة دمشق في رجب - حسب ما ذكرناه في أواخر ترجمته - كان ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب - وهو الأكبر - نائب أبيه الملك الكامل على الشرق وإقليم ديار بكر وكان ابنه الملك العادل أبو بكر هذا - وهو الأصغر - نائب أبيه بديار مصر فلما مات الكامل قعد الأمراء يشتورون فيمن يولون من أولاده فوقع الاتفاق بعد اختلاف كبير - نذكره من قول صاحب المرآة - على إقامة العادل هذا في سلطنة مصر والشام وأن يكون نائبه بدمشق ابن عمه الملك الجواد يونس وأن يكون أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب على ممالك الشرق على حاله فتم ذلك وتسلطن الملك العادل هذا في أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة وتم أمره ونعت بالعادل سيف الدين على لقب جده‏.‏

ومولد العادل هذا بالمنصورة ووالده الملك الكامل على قتال الفرنج بدمياط في ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة‏.‏

وقال العلامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلي في مرآة الزمان‏:‏ ذكر ما جرى بعد وفاة الملك الكامل‏:‏ اجتمع الأمراء وفيهم سيف الدين علي بن قليج وعز الدين أيبك والركن الهيجاوي وعماد الدين وفخر الدين ابنا الشيخ وتشاوروا وانفصلوا على غير شيء وكان الناصر داود يعني ابن الملك المعظم عيسى بدار أسامة فجاءه الهيجاوي وأرسل إليه عز الدين أيبك يقول‏:‏ أخرج المال وفرقه في مماليك أبيك المعظم والعوام معك وتملك البلد ويبقوا في القلعة محصورين فما اتفق ذلك‏.‏

وأصبحوا يوم الجمعة في القلعة فحضر من سمينا بالأمس وذكروا الناصر والجواد - قلت‏:‏ والناصر داود هو ابن المعظم عيسى والجواد مظفر الدين يونس هو ابن شمس الدين مودود بن العادل ‏"‏ أعني هما أولاد عم ‏"‏ انتهى -‏.‏

قال‏:‏ وكان أضر ما على الناصر عماد الدين ابن الشيخ لأنه كان يجري في مجالس الكامل مباحثًا فيخطئه فيها ويستجهله فبقي في قلبه وكان أخوه فخر الدين يميل إلى الناصر فأشار عماد الدين بالجواد ووافقوا أمره وأرسلوا الهيجاوي في يوم الجمعة إلى الناصر وهو في دار أسامة فدخل عليه وقال له‏:‏ إيش قعودك في بلد القوم‏.‏

قم فاخرج فقام وركب وجميع من في دمشق من دار أسامة إلى القلعة وما شك أحد أن الناصر لما ركب من دار أسامة إلا أنه طالع إلى القلعة فلما تعدى مدرسة العماد الكاتب وخرج من باب الترب عرج إلى باب الفرج فصاحت العامة لا لا لا وانقلبت دمشق وخرج الناصر من باب الفرج إلى القابون فوقع بهاء الدين بن بركيسو وغلمانه في الناس بالدبابيس فأنكوا فيهم فهربوا‏.‏

وأما الجواد فإنه فتح الخزائن وأخرج المال وفرق ستة آلاف ألف دينار وخلع خمسة آلاف خلعة وأبطل المكوس والخمور ونفى الخواطئ‏.‏

وأقام الناصر بالقابون أيامًا فعزموا على قبضه فرحل وبات بقصر أم حكيم وخرج خلفه أيبك الأشرفي ليمسكه وعرف عماد الدين بن موسك فبعث إليه في السر فسار في الليل إلى عجلون ووصل أيبك إلى قصر أم حكيم وعاد إلى دمشق‏.‏

وسار الناصر إلى غزة فاستولى على الساحل فخرج إليه الجواد في عسكر مصر والشام وقال للأشرفية‏:‏ كاتبوه وأطمعوه فكاتبوه وأطمعوه فاغتر بهم وساق من غزة في سبعمائة فارس إلى نابلس بأثقاله وخزائنه وأمواله وكانت على سبعمائة جمل وترك العساكر منقطعة خلفه وضرب دهليزه على سبسطية والجواد على جيتين فساقوا عليه وأحاطوا به فساق في نفر قليل إلى نابلس وأخذوا الجمال بأحمالها والخزائن والجواهر والجنائب واستغنوا غنى الأبد وافتقر هو فقرًا ما افتقره أحد ووقع عماد الدين بسفط صغير فيه اثنتا عشرة قطعة من الجوهر وفصوص ليس لها قيمة فدخل على الجواد فطلبه منه فأعطاه إياه‏.‏

وسار الناصر لا يلوي على شيء إلى الكرك‏.‏

ثم وقع له أمور نذكر بعضها في حوادث العادل والصالح وغيرهما‏.‏

انتهى‏.‏

ولما تم أمر العادل وتسلطن بمصر واستقر الجواد بدمشق على أنه نائب العادل وبلغ هذا الخبر الملك الصالح نجم الدين أيوب عظم عليه ذلك كونه كان هو الأكبر فقصد الشام بعد أمور وقعت له مع الخوارزمية ومع لؤلؤ صاحب الموصل ثم سار الملك الصالح بعساكر الشرق حتى وافى دمشق ودخلها في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستمائة فخرج إليه الملك الجواد والتقاه واتفق معه على مقايضة دمشق بسنجار وعانة وسببه ضيق عطن الجواد وعجزه عن القيام بمملكة الشام فإنه كان يظهر أنه نائب العادل بدمشق في مدة إقامته ثم خاف الجواد أيضًا من العادل وظن أنه يأخذ دمشق منه فخرج الجواد إلى البرية وكاتب الملك الصالح المذكور حتى حضر فلما حضر استأنس به وقايضه ودخلا دمشق ومشى الجواد بين يدي الصالح وحمل الغاشية من تحت القلعة ثم حملها بعده الملك المظفر صاحب حماة من باب الحديد ونزل الملك الصالح أيوب بقلعة دمشق والجواد في دار فرخشاه ثم ندم الجواد على مقايضة دمشق بسنجار واستدعى المقدمين والجند واستحلفهم وجمع الصالح أصحابه عنده في القلعة وأراد الصالح أن يحرق دار فرخشاه فدخل ابن جرير في الوسط وأصلح الحال‏.‏

ثم خرج الجواد إلى النيرب واجتمع الخلق عند باب النصر يدعون عليه ويسبونه في وجهه وكان قد أساء السيرة في أهل دمشق‏.‏

ثم خرج الصالح من دمشق وتوجه إلى خربة الفصوص على عزم الديار المصرية فكاتب عمه صاحب بعلبك الملك الصالح إسماعيل بن العادل وسار الملك الصالح نجم الدين إلى نابلس فاستولى عليها وعلى بلاد الناصر داود فتوجه الناصر داود إلى مصر داخلًا في طاعة الملك العادل فأكرمه العادل وأقام الصالح بنابلس ينتظر مجيء عمه الصالح إسماعيل فلم يلتفت الملك الصالح إسماعيل إلى ابن أخيه الصالح نجم الدين أيوب هذا وتوجه نحو دمشق وهجم عليها ومعه أسد الدين شيركوه صاحب حمص فدخلوها يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر من سنة سبع وثلاثين كل ذلك والصالح نجم الدين مقيم بنابلس واتفق الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك وأسد الدين شيركوه صاحب حمص على أن تكون البلاد بينهما مناصفة‏.‏

ونزل الصالح إسماعيل في دمشق بداره بحرب الشعارين ونزل صاحب حمص بداره أيضًا وأصبحوا يوم الأربعاء فزحفوا على القلعة ونقبوها من ناحية باب الفرج وهتكوا حرمتها ودخلوها وبها الملك المغيث وبلغ الملك الصالح نجم الدين أيوب ما جرى وقيل له في العود إلى دمشق فخلع الصالح أيوب على عميه مجير الدين وتقي الدين وعلى غيرهم وأعطاهم الأموال وقال لهم‏:‏ ما الرأي قالوا‏:‏ نسوق إلى دمشق قبل أن تؤخذ القلعة‏.‏

فخرجوا من نابلس فنزلوا القصير فبلغهم أخذ القلعة فنفر بنو أيوب بأسرهم وخافوا على أولادهم وأهليهم بدمشق وكان الفساد قد لعب فيهم فتركوا الصالح أيوب وتوجهوا إلى دمشق وبقي الصالح في مماليكه وغلمانه لا غير ومعه جاريته شجرة الدر أم خليل فرحل من القصير يريد نابلس فطمع فيه أهل الغور والقبائل وكان مقدمهم شيخًا جاهلًا يقال له مسبل من أهل بيسان قد سفك الدماء فتقاتل عسكر الصالح معه حتى كسروه‏.‏

ثم اتفق بعد ذلك الملك الناصر داود من مصر بغير رضًا من الملك العادل صاحب مصر ووصل إلى الكرك وكتب الوزيري إلى الناصر يخبره الخبر فلما بلغ الناصر ذلك أرسل عماد الدين بن موسك والظهير بن سنقر الحلبي في ثلاثمائة فارس إلى نابلس‏.‏

فركب الصالح أيوب والتقاهم فخدموه وسقموا عليه بالسلطنة وقالوا له‏:‏ طيب قلبك إلى بيتك جئت فقال الصالح‏:‏ لا ينظر ابن عمي فيما فعلت فلا زال الملوك على هذا وقد جئت إليه أستجير به فقالوا‏:‏ قد أجارك وما عليك بأس وأقاموا عنده أياما حول الدار‏.‏

فلما كان في بعض الليالي ضربوا بوق النفير وقالوا‏:‏ جاءت الفرنج فركب الناس ومماليك الصالح ووصلوا سبسطية وجاء عماد الدين والظهير بالعسكر إلى الدار وقالوا للصالح‏:‏ تطلع إلى الكرك فإن ابن عمك له بك اجتماع وأخذ سيفه‏.‏

وكانت شجرة الدر حاملًا فسقطت وأخذوه وتوجهوا به إلى الكرك‏.‏

واستفحل أمر أخيه الملك العادل صاحب مصر بالقبض على الصالح هذا وأخذ وأعطى وأمر ونهى فتغذر عليه بعض أمراء مصر ولكن ما أمكنهم يومئذ إلا السكات‏.‏

وأما الصالح قال أبو المظفر‏:‏ ولما اجتمعت به يعني الصالح في سنة تسع وثلاثين وستمائة بالقاهرة حكى لي صورة الحال قال‏:‏ أركبوني بغلة بغير مهماز ولا مقرعة وساروا إلى البرية في ثلاثة أيام والله ما كلمت أحدًا منهم كلمة ولا أكلت لهم طعامًا حتى جاءني خطيب الموتة ومعه بردة عليها دجاجة فأكلت منها وأقاموا بي في الموتة يومين وما أعلم إيش كان المقصود فإذا بهم‏.‏

يريدون أن يأخذوا طالعًا خبيثًا يقتضي ألا أخرج من حبس الكرك ثم أدخلوني إلى الكرك ليلًا على الطالع الذي كان سبب سعادتي ونحوسهم‏.‏

قلت‏:‏ وأنا ممن ينكر على أرباب التقاويم أفعالهم وأقوالهم لأني من عمري أصحب عيانهم فلم أر لما يقولونه صحة بل الكذب الصريح المحض‏.‏

ويعجبني قول الإمام الرباني عبد المؤمن بن هبة الله الجرجاني في كتابه ‏"‏ أطباق الذهب ‏"‏ الذي يشتمل على مائة مقالة واثنتين والذي أعجبني من ذلك هي المقالة الثالثة والعشرون وهي مما نحن فيه من علم الفلك والنجوم قال‏:‏ ‏"‏ أهل التسبيح والتقديس لا يؤمنون بالتربيع والتسديس والإنسان بعد علو النفس يجل عن ملاحظة السعد والنحس وإن في الدين القويم استغناء عن الزيج والتقويم والإيمان بالكهانة باب من أبواب المهانة فأعرض عن الفلاسفة وغلق بصرك عن تلك الوجوه الكاسفة فأكثرهم عبدة الطبع وحرسة الكواكب السبع ما للمنجم الغبي والعلم الغيبي وما للكاهن الأجنبي وسر حجب عن النبي وهل ينخدع بالفال إلا قلوب الأطفال وإن امرأ جهل حال قومه وما الذي يجري عليه في يومه كيف يعرف علم الغد وبعده ونحس الفلك وسعده‏!‏ وإن قومًا يأكلون من قرصة الشمس لمهزولون وإنهم عن السمع لمعزولون ما السموات إلا مجاهل خالية والكواكب سواها والنجوم إلا هياكل عالية ومن الله قواها سبعة سيرة نيرة خمسة منها متحيرة شرارة وخيرة طباعها متغايرة كل يسري لأمر معمى وكل يجري لأجل مسمى‏!‏ ‏"‏ انتهت المقالة بتمامها وكمالها‏.‏

وقد خرجنا بذكرها عن المقصود ولنرجع إلى ما نحن فيه من ترجمة العادل وأخبار أخيه الصالح‏.‏

قال‏:‏ ووكلوا بي مملوكًا لهم يقال له‏:‏ زريق وكان أضر علي من كل ما جرى فأقمت عندهم إلى شهر رمضان سبعة أشهر ولقد كان عندي خادم صغير فاتفق أن أكل ليلة كثيرًا فاتخم وبال على البساط فأخذت البساط بيدي والخادم وقمت من الإيوان إلى قرب الدهليز وفي الدهليز ثمانون رجلًا يحفظوني وقلت‏:‏ يا مقدمون هذا الخادم قد أتلف هذا البساط فاذهبوا به إلى الوادي واغسلوه فنفر في زريق وقال‏:‏ إيش جاء بك إلى هاهنا‏!‏ وصاحوا علي فعدت إلى موضعي‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وأما مماليكه وخزائنه فإن الوزيري توجه بهم إلى قلعة الصلت‏.‏

وأقام مماليكه بنابلس واستمر الحال على ذلك إلى أن بلغ الملك العادل صاحب الترجمة ما جرى على أخيه الصالح فأظهر الفرح ودقت الكوسات وزينت القاهرة ثم أرسل الملك العادل المذكور العلاء بن النابلسي إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك يطلب الملك الصالح نجم الدين المذكور منه ويعطيه مائة ألف دينار فما أجاب‏.‏

ثم كاتبه الملك الصالح صاحب بعلبك وصاحب حمص أسد الدين شيركوه في إرساله إلى الملك العادل إلى مصر كل ذلك والعادل في قلق من جهة الصالح فلم يلتفت الملك الناصر داود لكلامهم وأقام الصالح مدة في الحبس حتى أشار عماد الدين وابن قليج والظهير على الملك الناصر بالاتفاق مع الصالح نجم الدين أيوب وإخراجه فأخرجه الناصر وتحالفا واتفقا وذلك في آخر شهر رمضان وكان تحليف الناصر داود للصالح أيوب على شيء ما يقوم به أحد من الملوك وهو أنه يأخذ له دمشق وحمص وحماة وحلب والجزيرة والموصل وديار بكر ونصف ديار مصر ونصف ما في الخزائن من المال والجواهر والخيل ولما علم الملك العادل صاحب الترجمة بخلاص أخيه الصالح اتفق مع عمه الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك الذي ملك دمشق فسار الملك العادل من مصر والملك الصالح من دمشق ومعه أسد الدين صاحب حمص ثم عزموا على قصد الناصر والصالح فأول من برز لهم الملك العادل صاحب الترجمة بعساكر مصر وخرج وسار حتى وصل إلى بلبيس وكان قد أساء السيرة في أمرائه وحواشيه فوقع الخلف بينهم وتزايد الأمر حتى قبضوا عليه وأرسلوا إلى الصالح نجم الدين أيوب يعرفونه ويسألونه الإسراع في المجيء إلى الديار المصرية‏.‏

فسار ومعه الملك الناصر داود صاحب الكرك وجماعة من أمرائه ابن موسك وغيره فكان وصول الصالح إلى بلبيس في يوم الأحد رابع عشرين في القعدة فنزل في خيمة العادل والعادل معتقل في خركاه‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ حكى لي الصالح واقعات جرت له في مسيره إلى مصر منها أنه قال‏:‏ ما قصدت بمجيء الناصر معي إلا خوفًا أن تكون معمولة علي ومنذ فارقنا غزة تغير علي ولا شك أن بعض أعدائي أطمعه في الملك فذكر لي جماعة من مماليكي أنه تحدث معهم في قتلي‏.‏

قال‏:‏ ومنها أنه لما أخرجني يعني الناصر ندم وعزم على حبسي فرميت روحي على ابن قليج فقال‏:‏ ما كان قصده إلا أن يتوجه إلى دمشق أولًا فإذا أخذنا دمشق عدنا إلى مصر‏.‏

قال‏:‏ ومنها أنه ليلة وصل إلى بلبيس شرب وشطح إلى العادل فخرج له من الخركاه فقبل الأرض بين يديه فقال له‏:‏ كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل مني‏!‏ فقال‏:‏ يا خوند التوبة فقال‏:‏ طيب قلبك الساعة أطلقك وجاء فدخل علينا الخيمة ووقف فقلت‏:‏ باسم الله اجلس فقال‏:‏ ما أجلس حتى تطلق العادل فقلت‏:‏ اقعد وهو يكرر الحديث ثم سكت ونام فما صدقت بنومه وقمت في باقي الفيل فأخذت العادل في محفة ورحلت به إلى القاهره‏.‏

ولما دخلنا القاهرة بعثت إليه بعشرين ألف دينار فعادت إلى مع غلماني وغضب وأراد نصف ما في خزائن مصر‏.‏

قلت‏:‏ واستولى الصالح على ملك مصر وقبض على أخيه العادل صاحب الترجمة في يوم الاثنين خامس عشرين ذي الحجة وحبسه عنده بالقلعة سنين‏.‏

قال سعد الدين مسعود بن حمويه‏:‏ وفي خامس شوال سنة ست وأربعين وستمائة جهز الصالح أخاه أبا بكر العادل ونفاه إلى الشوبك وبعث إليه الخادم محسنًا يكلمه في السفر فدخل عليه المحسن وقال له‏:‏ السلطان يقول لك‏:‏ لا بد من رواحك إلى الشوبك فقال‏:‏ إن أردتم أن تقتلوني في الشوبك فهاهنا أولى ولا أروح أبدًا فعذله محسن فرماه بدواة كانت عنده فخرج وعرف الصالح أيوب بقوله فقال‏:‏ دبر أمره فأخذ المحسن ثلاث مماليك ودخلوا عليه ليلة الاثنين ثاني عشر شوال فخنقوه بشاش وعلقوه به وأظهروا أنه شنق نفسه وأخرجوا جنازته مثل بعض الغرباء ولم يتجاسر أحد أن يترحم عليه أو يبكي حول نعشه وعاش بعده الملك الصالح عشرة أشهر رأى في نفسه العبر من مرض تمادى به وما نفعه الاحتراز كما سيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى‏.‏

وزاد ابن خلكان في وفاته بأن قال‏:‏ ودفن في تربة شمس الدولة خارج باب النصر - رحمه الله تعالى -‏.‏

وكان للعادل المذكور ولد صغير يقال له الملك المغيث مقيم بالقلعة فلا زال بها إلى أن وصل ابن عمه الملك المعظم توران شاه بعد موت أبيه الصالح نجم الدين إلى المنصورة وسير المغيث المذكور من هناك ونقله إلى الشوبك فلما جرت الكائنة على المعظم ملك المغيث الكرك وتلك النواحي‏.‏

قلت‏:‏ وكانت ولاية الملك العادل على مصر سنة واحدة ونحو شهرين وأيامًا مع ما وقع له فيها من الفتن والأنكاد ولم يعرف حاله فيها لصغر سنه وقصر مدته - رحمه الله تعالى - والعادل هذا يعرف بالعادل الصغير والعادل الكبير هو جده‏.‏